حاوره: ج. لمودع
الشروق
يعرض الكاتب جمال فوغالي في هذا الحوار، وصفته لإنجاح الملتقيات الأدبية والعلمية، إذ يرى ضرورة أن يكون الفاعلون فيها، على مستوى من التجربة والمعرفة. كما يدافع عن النقاد باعتبارهم “مصابيح الكتاب والمبدعين”.
“الشروق”: تنظم ملتقيات علمية أدبية في الجامعات ومختلف دور الثقافة، يحضرها الأديب جمال فوغالي، ما حكمه على مخرجاتها، إذْ يرى بعض متتبعيها أنه لا جدوى منها في غياب حضور الطبقة المثقفة والمهتمين المشتغلين في الاختصاص النقدي والأدبي؟
جمال فوغالي: الملتقياتُ بكلّ أنواعها ضرورية ولا بدّ منها، إنها محطات للتقارب والتعارف، وهي إلى ذلك تمنحُنا القدرَة على معالجةِ كثيرٍ منَ القضايا الأدبية أو العلمية أو الفلسفية أو التاريخية، أو غيرها، والأجدى كيْ تنجحَ هذهِ الملتقياتُ وتؤتي أكلَها، أنْ يكونَ التحضيرُ لها تحضيرا لا يترك شاردة ولا واردة إلاَّ أحصاها وأتى عليها، وأنْ يكونَ الفاعلون فيها على مستوى منَ المعرفة والتجربة احتراماً للحضور وتقديراً لهمْ، وأنْ تحدَّدَ الإشكالاتُ تحديداً علميًّا دقيقاً سواءٌ تعلق الأمرُ بالأدب وفنونِه أم بغيره منَ العلومِ الأخرى، وأنْ يواكبَهُ الإعلامُ بكلِّ ترسانتِه ومحبته، ليكونَ بذلكَ الرَّافدَ المعين وهو ينقلُ مجرياتِ هذه الملتقيات التي نراها في كلِّ العالم دون استثناء، وهي الدليلُ على الحركية الثقافية في بلادنا، وهي الأمارَة على الحياةِ في تواصلِ جميعِ الأجيالِ فيما بينهم لتقريبِ بعضهمْ ببعض، وتلك منْ أهمِّ مخرجاتِ هذه الملتقيات إذا تأسستْ على قواعدَ معرفيةٍ وتجاربَ متعدِّدة في المكان والزمان.
“الشروق”: الكتابة بالنسبة لجمال فوغالي أهي مجردُ هواية أمْ هي من أجلِ الكتابة أم رسالة إبداعية تزيل اللثام على ما يعانيه الإنسان من صراعات من أجلِ البقاء؟
جمال فوغالي: هي كلُّ ذلكَ وغيرُه، الكتابةُ في جوهرِها منذُ بدءِ الكينونَةِ منَ النفخةِ الأولى في الصَّلصالِ المَهين آيةُ وجودِنا منذُ الخَلْق، وقدْ علَّمَ اللهُ في عليائهِ النُّورانيَّة آدمَ الأسماءَ كلَّها،وها نحنُ منْ تلكَ السلالة التي هي من الحمإ المسنون، وهذي الكتابةُ الدليلُ على ذلكَ في انكساراتنا والحرائقِ منْ قلوبنا، ونسعى بها إلى طهارتنا، وأنَّى لنا أنْ نستطيع، ونحنُ في حياةٍ كبيسَةٍ ضاغطةٍ عاصفة تأكلُ منْ ذواتِنا ومنْ أعمارِنا ومنْ دمنا ومنَ الأفئدَة، وهذي جراحاتُنا والندوبُ الأمارَة، والكتابة ستظلُّ هوايةً مثلما هي لأكبرِ الكتابِ والمبدعين في العالم، وكلُّ نصٍّ تجربَةٌ جديدَة أدخلُها خاليًا إلاَّ منْ لغتي الأنثى التي تحتويني إليها وترافقُني للدَّهشَة، والكتابةُ دهشتُنا، وهي السُّؤالُ الوجوديُّ الذي ليسَ لنا أنْ ندركَ الإجابةُ عنه، وهي الإنسانُ الذي فينا لعلنا نصادقَهُ كيْ نحاولَ فهمَهُ كيْ تفهمَنا، هيهات، وتظلُّ الكتابةُ الدليلَ على صدقَنا، ونأتيها على طهارتِنا كيْ ترينا النورَ الذي فينا، لعلنا بها نتجاوزُ سقطاتِنا وهنَّاتِنا وعجزَنا، لعلَّنا بها نتجاوزُ إحباطاتِنا التي يفرضُها الواقعُ بعلاته وأمراضِهِ وأنانيَّاتِهِ وأحقادِهِ والضَّغائنِ ما ظهرَ منها وما كانَ خافيا.
“الشروق”:يرى بعضُ النقاد بأنَّ الكاتب المبدع هو ذلك الذي تبقى آثاره مع المتلقي بما تحملهُ من أساليبَ جماليةٍ إيحائية، ما رأيك في ما قيل؟
جمال فوغالي: النقادُ مصابيحُ الكتابِ والمبدعين حينَ يمتلكون الرؤيةَ النقدية والرؤيا العارفَة، ويضعونَ الإبداعَ بينَ يديهما معاً والمحبَّة فيكونُ خَرَاجُ ذلكَ النفعُ الكبير، وقدْ فصلوا بينَ الغثِّ والسمين، وبين ما يبدعهُ الكتاب وبينَ “الكتبَة” الألى يبتذلونَ الكتابَة ويسيؤونَ إليها، إنَّا نتحدثُ كثيراً عنِ المفسدين في الأرض، وننسى الذين يفسدون الكتابَة ويجفِّفونَ ماءَها ويغتالونها بما ينشرونَ في الناسِ منْ سقطِ ما يكتبون باسمها الأبهى، ويزعمون وهماً كُبَّاراً أنهمْ يحسنون صنعاً، ويقدمون لأنفسهمْ بأسماءَ لا تليقُ بالكتابةِ وبهمْ، وقدْ تميَّعَ كلُّ شيءٍ وبانَ هُزالُ ما يكتبون تسْطيحاً في المعنى وأخطاءَ في المبنى، وأمَّا الحديث باللغةِ التي يكتبون بها فحدِّثْ ولا حرج، ولا يستحون، وتلكَ مفارقةٌ في ذا الزمنِ الجهولِ السَّفيه.
إنِّي أكتبُ وأحاولُ أنْ أكتبَ أدباً يبقيهِ الزمنُ إليهِ نافعاً مفيداً، ذلكَ ما أتمنَّاهُ وأريدُهُ وأعملُ عليه، مؤمناً بأنَّ ما ينفعُ الناسَ يمكثُ في الأرض، وأما الزَّبدُ فيذهبُ جفاء، فأينَ الشعراءُ الذين كانوا يعاصرون المتنبي؟ وقبلَ ذلكَ أينَ منْ كانوا في زمنِ هوميروس؟ وينطبقُ ذلكَ على الفنون كلِّها أيضاً.