بين متعة الثلج في الجبال والانبهار بكنوز ورمال الصحراء

سحر شيليا وغوفي والشلعلع ينعش السياحة الشتوية في الأوراس

صالح سعودي

الشروق

تستقطب هذه الأيام، العديد من مناطق الأوراس، عددا معتبرا من الزوار والسياح المغرمين بجماليات وخبايا السياحة الشتوية، بدليل الحركية التي عرفتها عدة أماكن صنعت التميز في هذا الجانب، سواء تلك التي تتيح فرصة التمتع بالثلوج وتسلق الجبال، مثل شيليا وإشمول والشلعلع وكوندورسي وحيدوسة وغيرها، أو الأماكن شبه الصحراوية التي تتمتع هي الأخرى بمناظر ومواقع تخطف الأضواء، مثل شرفات غوفي وصحراء النبكة وواحات مشونش ومدوكال وغيرها.

تتمتع ولاية باتنة وعديد المناطق الأوراسية بسحرها الطبيعي الذي ساهم في إنعاش السياحة الشتوية، سواء في شقها الجبلي أو شبه الصحراوي، وهذا بناء على تنوع المواقع بحسب التضاريس والمناخ السائد، إلا أنها تشترك تحت نطاق تفعيل السياحة الشتوية التي أصبح لها الكثير من المهتمين سواء بشكل فردي أم جماعي يأخذ الطابع العائلي أو مجموعات تفضل خيار التخييم، من خلال زيارات ممنهجة لغرض الاستمتاع واكتشاف خبايا وجمال مختلف مناطق الأوراس، بعدما وصولا إلى قناعة بأهمية السياحة المحلية التي لا تقل قيمة عن السياحة في البلدان المجاورة، مع دعوة الكثير إلى أهمية ضمان العوامل المحفزة على ترقية هذا النوع من السياحة، وفي مقدمة ذلك مرافق الإقامة والإطعام وكذلك وسائل النقل وغيرها من الجوانب التي تسهل مهمة السياح في اكتشاف جمال الأوراس والجزائر بشكل عام.

الثلوج تنعش السياحة الشتوية

وقد خلّف التساقط المعتبر للثلوج على جبال الأوراس الكثير من الحيوية وسط المواطنين، والكثير من العائلات المقيمة في الولايات الصحراوية المجاورة التي قصدت الجبال للاستماع بالطبيعة وهي مكسوة بثوب أبيض ساحر، كما عبر الفلاحون عن ارتياحهم واستبشروا بعام جديد كله خير ونجاح على جميع الأصعدة. وكان للبساط الأبيض الذي زيّن جبال بلديات وقرى ولاية باتنة سحره الخاص على الكبار والصغار، ما حفّز المواطنين على التنقل بصورة جماعية إلى الجبال والمرتفعات المجاورة في رحلات مبرمجة لمعانقة جمال الطبيعة والتمتع بقدوم الثلج الذي سقط بكميات معتبرة، وهو الأمر الذي أضفى أجواء مميزة لدى الجميع، وهو ما وقفنا عليه ميدانيا في مناطق واد الطاقة وعين الطين وعديد القرى التابعة لمنطقة آريس التي عرفت عدة زيارات لجمعيات ثقافية وكشفية، حيث حجزوا مكان الإقامة بمجمع شيليا الجبلي الواقع في بلدية بوحمامة بخنشلة، وفضّلوا عدم تفويت فرصة زيارة بقية مناطق الأوراس رغم صعوبة المسالك وخطورة بعض الطرقات.

من جانب آخر، صادفنا عائلات قدمت من عاصمة الزيبان بسكرة، وفضلت الاستمتاع بالمناظر الجميلة على وقع سحر الثلج، وهو ما أكده لنا السيد (محمد. م) الذي كان مرفقا بحرمه وأبنائه الذين وعدهم بهذه الزيارة في حال تحقيق معدلات مرتفعة في دراستهم أثناء امتحانات الثلاثي الأول، فيما استغلت عائلة السيد “بن هنية. س” التنقل على مرحلتين إلى قرية عفان بواد الطاقة، حيث خصص اليوم الأول لأبنائه الذكور، أما اليوم الثاني فقد كان للبنات، فيما فضّل السيد “مصطفى. ب” أن يكون في مستوى تطلعات ابنيه اللذان طلبا منه برمجة هذه الرحلة لرؤية الثلج.

ويبقى الشيء الإيجابي هو تفاعل السكان مع هذه الأجواء المناسباتية التي ميزتها حركية جميلة على مستوى قرى وبلديات عاصمة الأوراس، وهو ما أعاد السياحة الشتوية والجبلية إلى الواجهة، بناء على الأجواء التي ميزت جبال ومرتفعات وادي الطاقة وثنية العابد وعين الطين وآريس وإينوغيسن وإشمول وشيليا وحيدوسة ونافلة وتاكسلانت ومروانة وواد الماء وغيرها من المناطق التي تضفي مناظرها الكثير من المتعة وراحة البال، وتسمح بتغيير الأجواء وتكسير الروتين الناجم عن ضغوط الحياة ومتاعب العمل.

المناطق شبه الصحراوية تستهوي السياح

وإذا كانت المناطق الجبلية من ربوع الأوراس قد صنعت التميز واستقطبت السياح تزامنا مع السقوط المعتبر للثلوج في مناطق وجبال معروفة بتقاليد السياحة الجبلية والشتوية، مثل شيليا والشلعلع وآريس وغيرها، فإن جنوب الأوراس يمتاز بنوع آخر من السياحة الشتوية على وقع سحر وجمال الكثير من الأماكن الصحراوية، مثلما هو حاصل في شرفات غوفي وصحراء النبكة التابعة لبلدية بيطام بولاية بريكة المنتدبة، وكذلك المناظر الجميلة التي تتوفر عليها منطقة امدوكال، ناهيك عن موقعها الجغرافي الذي يربط بين عاصمة الأوراس وعاصمة الحضنة. ناهيك عن توفراها على واحات واسعة ومدينة قديمة في ثناياها تاريخ وتراث إنساني عميق، شأنها في ذلك شأن واحات مشونش الفاصلة بين عاصمة الأوراس وعاصمة الزيبان، علما أن هذه المنطقة تتوفر أيضا على متحف خاص بالشهيد سي الحواس.

في الوقت الذي استقطبت شرفات غوفي حضورا غفيرا من السياح والزوار من مختلف الولايات، تزامنا مع احتضانها الاحتفالات الرسمية لرأس الأمازيغية، فكانت الفرصة مواتية لإقامة معارض مختلفة مزجت بين الكتاب والحلي والأواني والألبسة التقليدية وغيرها من الأنشطة التي سهرت عليها جمعيات ثقافية وأخرى ناشطة في مجال الصناعات التقليدية، وسط إشادة واسعة من المواطنين الذين قدموا من ولايات باتنة وخنشلة وبسكرة وغيرها من الأماكن المجاورة، بشكل يكرّس لتقاليد سياحية واعدة.

وفي هذا الجانب يؤكد الأستاذ أحمد رزيق لـ”الشروق” بالقول: “لنا من الإمكانات لنكون قبلة للسياحة الشتوية في الأوراس بجباله وصحرائه، حيث الجبال والثلوج وغابات الأرز ومنابع مياهه وصحرائه من خلال كثبانها الرملية الذهبية الجميلة، فمثلا منطقة النبكة ببيطام فقط تحتاج إلى تنظيم وتنسيق بين السلطات والجمعيات الناشطة للاستثمار في ذلك، من خلال نصب خيم والاتفاق مع سكان المنطقة على توفير أكلات تقليدية للمنطقة وهي كثيرة ومتنوعة، وربطها مع السياحة التاريخية، وفتح معرض للصناعات التقليدية والمنتجات الفلاحية ونصب خيمة أدبية وشعرية، أما السياحة الجبلية عندنا فهي كذلك غنية بكهوفها ومغاراتها التي تعود حتى للحقبة الرومانية، ناهيك عن آثار ثورة التحرير”.

الترويج وثقافة التخييم ساهما في انتشار السياحة الشتوية

يؤكد الأستاذ عيسى بلخباط لـ”الشروق”، أن الجزائر تتمتّع بمزايا طبيعية قلما تجتمع في بلد واحد، صحراء شاسعة تتوفر على مواقع ساحرة تأسر القلوب، وشمال متنوع التضاريس، بين سهول وهضاب وجبال، وشواطئ متنوعة، ونظرا لأهمية السياحة كمورد اقتصادي هام من جانب وتوجّه الدولة الجزائرية إلى النهوض بهذا القطاع وعملها على تشجيع الاستثمار في هذا القطاع من جانب آخر، إلا أن هذا الاهتمام، حسب محدثنا، لابد أن لا ينحصر الاهتمام على السياحة الصيفية الشاطئية أو السياحة الأثرية، مؤكدا على أهمية السياحة الشتوية، لما لها من أهمية في تنويع الموارد السياحية وتحقيق التنمية الاقتصادية في المناطق الجبلية.

ويقول الأستاذ بلخباط في هذا الجانب: “نظرا لكون الأوراس منطقة جبلية في قسمها الأكبر، توجد بها ثاني أعلى قمة جبلية وهي قمة “لالا كلثوم” بجبل شيليا، إضافة إلى جبال المحمل وجبل بوعريف.. وغيرها من جبال المنطقة، لابد من التوجّه نحو تشجيع السياحة الشتوية، خاصة أنها لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتوفير هياكل الاستقبال والإيواء من فنادق فاخرة وقرى سياحية كبيرة، مثلما تتطلبه السياحة الصيفية في المدن الساحلية”، إذ يكفي، حسب قوله، توفير شاليهات خشبية تنسجم مع الطبيعة ومسالك تسمح للسياح بالوصول إلى مقصدهم، والاستمتاع بالمزايا الطبيعية التي تتوفر عليها جبال منطقة الأوراس من غطاء غابي يضم مختلف أنواع الشجر الغابي وتكتمل اللوحة الطبيعية الساحرة مع تساقط الثلوج في فصل الشتاء، فتكتسي الجبال حلة بيضاء تستهوي السياح للتخييم والاستمتاع بالثلج في أحضان الطبيعة الساحرة.

وأشار المتحدث إلى أن السياحة الشتوية سجلت رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة بفضل توفر الأمن من جهة ودور وسائل التواصل الاجتماعي في الإشهار لكثير من المواقع السياحية الطبيعية في بلادنا، وكذلك انتشار ثقافة التخييم في الأجواء الماطرة والثلجية عند الجزائريين، كما أن البلد صار قبلة لكثير من السياح العرب، خصوصا من منطقة الخليج العربي الذين اكتشفوا في طبيعة الجزائر وجهة سياحية فريدة تثير اهتمامهم. وحسب محدثنا فقد نالت الكثير من المواقع الجبلية في الأوراس حقها من الاهتمام، إذ يعتبر جبل شيليا على سبيل المثال المقصد السياحي الأول في المنطقة، إضافة إلى المحمية الطبيعية لمنطقة بلزمة وجبال المحمل ومروانة وغيرها، الأمر الذي يبشر بمزيد من الإقبال على السياحة الشتوية في قادم السنوات، داعيا إلى أهمية مراعاة المخططات التنموية السياحية بالمنطقة، بغية استقبال السياح وتشجيع المستثمرين على توفير هياكل الإيواء وحظائر لركن السيارات وضمان خدمات توفر الراحة للسائح، مع الحفاظ على نظافة المحيط بإشراك الجمعيات المختصة وأعوان حرس الغابات. والحرص على تحقيق تنمية في المناطق الجبلية والغابية والمعزولة، وتشجيع ساكنتها على ممارسة نشاطات اقتصادية على هامش توافد السياح إلى مناطقهم.

غياب الفنادق والمرافق في صدارة العوائق

من جانب آخر، يشير الدكتور رفيق بوبشيش إلى المزايا السياحية التي تتوفر عليها ولاية باتنة على غرار ولايات أخرى، وفي مقدمة ذلك المناظر الخلابة التي تتخللها جبال الشلعلع وجبال شيليا التي تتوفر على أشجار الأرز النادرة، مضيفا أن جبال الشلعلع لوحدها تغطي نسبة 6000 هكتار من هذه الأشجار، ولا ننسى الأشجار الأخرى على رأسها البلوط والعرعار، ويقول الدكتور رفيق بوبشيش لـ”الشروق”: “تكتسي هذه الجبال الثوب الأبيض في فصل الشتاء، ففي الأيام الأخيرة عرفت المناطق نزول الثلوج على مستوى مرتفعاتها، ما جعلها مقصدا لكثير عشاق السياحة الجبلية، ومن هواة التخييم والتزلج أو اللعب بالثلج من طرف الكبار والصغار، هذه الأخيرة جعلت ولاية باتنة مقصدا كبيرا للمواطنين الراغبين في الاستمتاع بجماليات السياحة الشتوية”، مؤكدا أن هذه الامتيازات يمكن أن تجعل ولاية باتنة مقصدا للسياحة مثل ولاية البويرة ومناطق أخرى.

ولكن هذا النوع من السياحة حسب محدثنا يلاقى صعوبات وتحديات مثل عدم وجود فنادق ومرافق سياحية، مؤكدا بالقول: “فمثلا جبال الشلعلع لا توجد فيها مرافق، مما يجعل الولاية تفقد امتيازاتها، وحسب رأيي يمكن للولاية الاهتمام بهذا النوع من السياحة من خلال توفير دار الشباب في المناطق التي تحتوي عليها مثل بلدية وادي الماء أو شعبة أولاد شليح، وكذلك تقديم يد المساعدة للجمعيات السياحية المتواجدة على مستوى الولاية، كما يمكن خلق مرافق أخرى خاصة بتشجيع الرياضات الجبلية مثل التزحلق على الثلوج ولو كانت موسمية”.

وفي السياق ذاته، يرى الأستاذ أحمد عريف بأن الأوراس بامتداده الجغرافي المميز يملك زخما سياحيا ثريا في مختلف مناطقه ومواقعه السياحية المهمة، حيث قال في هذا الجانب: “في الأيام الأخيرة استمتعنا بتلك الكنوز واللوحات التي طرزتها الثلوج في جبال شيليا وإشمول ورأس “لالا كلثوم” وجبال الرفاعة والشلعلع، وكل هذه الأماكن الخلابة شهدت طوابير من عديد ولايات الوطن من طرف هواة السياحة الشتوية بغية الاستمتاع بجمال هذه المناظر”، مؤكدا على أهمية هذا الشق من السياحة، وقال الأستاذ أحمد عريف في هذا الإطار: “..بالنسبة لي وكمثال حي، من بلدية يابوس ولاية خنشلة، أرى أنه لو استثمرنا في مجال السياحة عامة، وخاصة الجبلية التي هي كنز ثري، وهو ما يتطلب القيام بعملية تحسيس، ثم الاستثمار الحقيقي من خلال استغلال هذه الواجهات الطبيعية، وتوفير اللوازم لمختلف السياح ورواد هذه المناطق (مرافق وإقامات وخدمات مقبولة..)، وسيكون حينها شأن كبير للسياحة بشكل عام والسياحة الشتوية على الخصوص، مادام أن مثل هذه المناطق الأوراسية تعد قبلة سياحية بامتياز، والنجاح فيها سيكون بشكل مبهر”.

“محاولة للخروج من النمطية”

ويجمع الكثير من السياح والعارفين والناشطين الميدانيين، بأن السياحة الشتوية تعد عاملا مهما ومساهما فعالا في تعزيز آليات السياحة في الأوراس، وهذا بناء على مختلف المزايا التي يتوفر عليها، حيث يرى الدكتور بدر الدين زواقة، بأن السياحة الشتوية في بلادنا هي محاولة للخروج من نمطية السياحة التي اختصرت في بلادنا لأسباب نفسية واجتماعية على البحر والشواطئ، مشيرا إلى أن السياحة في الدول المتقدمة هي ثقافة تمارس وفق تنشئة اجتماعية، ذلك أن السياحة اعتبرها القرآن الكريم سلوك عبادي مقرون بالإيمان والذكر. وقال الدكتور زواقة لـ”الشروق اليومي”: “بلادنا الجميلة والمتنوعة جغرافيا وتضاريسيا وثقافيا جديرة بالتنوع السياحي. بمجرد أن تقطع 200 كلم فقط قد نشاهد تضاريس مختلفة من بحر وجبال وهضاب وتلال وسهوب ورمال صحراوية وحجارة صحراوية. هذا فضل الله على بلادنا.. والآن تأسست ثقافة من قبل بعض الشباب للاهتمام بالسياحة الشتوية التي تمثل متعة متجددة.. خاصة جبالنا المكسوة بالأرز والثلوج وأنواع الأشجار التي تحاكي روعة الخالق”.

ويرى الدكتور بدر الدين زواقة بأن تأطير هذه المبادرات واعتمادها من قبل المؤسسات التعلمية والمجتمعية، مع ضرورة رؤية قيمية وأخلاقية هادفة.. تجعل من السياحة شكر لله.. وسياحة تحقق إدارة الذات والتشافي الذاتي..بحكم أن الهواء العليل الصافي الذي حُرم منه إنسان المدنية المعاصرة (خاصة في بلادنا التي تخلو من الجمال العمراني المتكامل..) هو مقصد أساس لهذه السياحة الشتوية.. وهي، حسب محدثنا، فرصة لاكتشاف جمال طبيعتنا.. خاصة وأن الكثير من الجزائريين لا يعلمون أن لنا مساحات كبيرة من شجر الأرز.. ينافس أرز لبنان وتركيا من حيث الكثرة والتنوع. مؤكدا أن “الصيف والشتاء وباقي الفصول نعمة وسنة كونية.. إذا اجتمع عند الإنسان الفكر والذكر والشكر”..

ويذهب الكثير إلى أهمية الاستثمار في مثل هذه المزايا والمعطيات التي يعرفها الأوراس، مع ضرورة تحرك الفاعلين والجهات الوصية لتوفير الإمكانات ووسائل الراحة التي تسهل مهمة الزوار والسياح، خاصة في ظل السحر الطبيعي لمرتفعات وجبال الأوراس في مختلف الفصول، داعين إلى مراعاة أهمية السياحة الشتوية التي يمكن أن تعزز وتيرة السياحة الجبلية التي عرفت حركية مهمة في السنوات الأخيرة..

عن التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *