هي ابنة شلالة العذاورة، تلك البقعة التي تنبض بتاريخ وحكايات الأجداد، وابنة العاصمة التي احتضنت أحلامها قبل أن تحضنها خشبات المسارح والشاشات. وُلدت باسم “كحلة حسين”، لكن الفن صاغ منها اسم “نضال الجزائري”، اسم يليق بإرادة لا تعرف المستحيل وفن لا يعترف بالحدود. لم تحمل في جعبتها سوى عشق للكلمة تدوّنه الصحافة وشغف بالقصيدة تناجي بها النجوم. دخلت عالم الإعلام ككاتبة تنسج المقالات وتحيط القصص، حتى جاءت لحظة القدر التي غيرت مسار الحياة.
في جمعية “الموجة” التقت بالمسرحي القدير “عمر فطموش”، فانفتحت أمامها أبواب المسرح من هاوية إلى فنانة، لتبدأ رحلة جديدة بلا تخطيط. التحقت بمعهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان لدراسة النقد والسيناريو، لكن اللجنة التي رأت في عينيها بريق موهبة خفية قررت أن تخرج منها نجمة تتلألأ. قالت: “دخلت التمثيل صدفة وخرجت منه حباً”، هكذا سردت تحولها الذي قادها إليه أستاذها “مالك عقون”، الذي أدرك في روحها مساحة للدراما، فزرع فيها بذور الإتقان وعلّمها أن الفن ليس مجرد أداء بل نبض القلب قبل حركة الجسد.
على خشبة المسرح، في مسرحية “الدب”، تألقت بدور السيدة القوية بجرأة فطرية، فلفتت أنظار ملك الدراما الجزائرية الراحل “جمال فزاز” الذي منحها أول بطولة تلفزيونية في مسلسل “كيد الزمان”. كان دور “بختة” بمثابة البوابة التي عبرت منها إلى قلوب الجمهور، وهي ما زالت طالبة تحمل كتب المعهد بين يديها لتثبت أن الموهبة لا تنتظر حتى التخرج.
اشتهرت بشخصية المرأة القوية الثرية التي تفرض حضورها كالعاصفة، حتى ظن البعض أنها تعكس ذاتها الحقيقية. لكن نضال الفنانة تتجاوز أي قالب؛ فقدمت المرأة البسيطة في “فقر مونتال”، والمعلمة الكادحة التي تناضل من أجل قلم وطباشير، وحتى منظفة المنازل التي تكافح الإهانة في “لالة زينب”. تقول مبتسمة: “الفن الحقيقي هو أن تُقنع الجمهور بأنك الشر ذاته بينما في الحقيقة تحمل قلب طفل”.
في عام 2020 ارتدت عباءة الإخراج لتبدأ فصلًا جديدًا من مسيرتها الفنية. أخرجت مسرحية “أجنحة نمولة”، التي كانت الشرارة الأولى لمشروع “مدرسة حديدوان” لمسرح الطفل. هنا تتحول نضال إلى أم فنية تُربي مواهب الصغار وتنحت من أحلامهم تماثيل أمل. تقول بفخر: “الأطفال هم أمل الثقافة ومسرحهم هو المرآة التي سنرى فيها وجه الجزائر المشرق”، وهي اليوم بصفتها مديرة المسرح الجهوي ببجاية، لم تنسَ أن تكون جسرًا للمواهب الجديدة، كما كان أساتذتها جسرًا لها…
أم لثلاثة أطفال، تجد في عائلتها مصدر إلهام، وتؤمن أن الفن ليس مهنة بل هبة تُورث. آخر أعمالها التلفزيونية “أحوال الناس” (2021)، ويذكر الجمهور بأن نضال الجزائري لم تكتمل بعد، فهي ما زالت تحمل في جعبتها أدواراً تقلب المواجع وتحيي الضمائر.
هكذا تكتب نضال الجزائري سيرتها بحروف من نور، وبصمة كعطر الياسمين الجزائري، عبق يبقى حين تذوب الكلمات…
س.ب