يُعدّ “كاتب ياسين” (6 أوت 1929 – 28 أكتوبر 1989) من أبرز الأدباء الجزائريين، ومن أهم الرموز الأدبية والثقافية التي نقلت صوت الجزائر إلى العالم عبر المسرح والشعر والرواية. جسدت أعماله التزامه العميق بقضايا الشعب الجزائري، حيث كان الأدب بالنسبة له وسيلة للمقاومة والتعبير عن المعاناة الجماعية، وأداة لتحرير العقول من قيود الاستعمار والقمع. اتسمت كتاباته بالجرأة والنضج الفكري؛ حيث غاص في صلب الثقافة الشعبية الجزائرية، واستلهم منها مواضيع تعبر عن الهموم والأحلام الجزائرية ليصبح صوتًا لا يُنسى.
لمع كاتب ياسين بفضل روايته الشهيرة “نجمة” التي صدرت عام 1956، واعتُبرت من أعظم الأعمال الأدبية الجزائرية. أبدع في هذه الرواية التي جمعت بين الرمزية والأسلوب الشعري، حيث عكست ملامح الجزائر المستعمرة عبر لغة سردية متميزة، مظهرةً تأثره بالحرب والنضال من أجل الحرية. فنجمة لم تكن مجرد رواية، بل صرخة ألم وإرادة تحرر ورمزًا للهوية الجزائرية المقهورة تحت وطأة الاستعمار.
توجّه كاتب ياسين إلى المسرح بعد الاستقلال ليكون بالنسبة له أداة فعّالة لإيصال الرسائل السياسية والاجتماعية بلغة يفهمها الشعب الجزائري، حيث قدم مسرحيات مثل: محمد خذ حقيبتك، الرجل ذو النعل المطاطي وفلسطين المخدوعة، التي تجسّد قضايا النضال السياسي ورفض الظلم في مختلف تمثّلاته. وعُرف كاتب ياسين بمسرحياته التي كانت تُقدَّم باللهجة الجزائرية الدارجة وموظفا أنساقه التراثية المادي وغير المادي، مخاطبًا بها الجمهور العريض ومعبّرًا عن قضاياهم وآمالهم بلغة بسيطة وقوية.
كان كاتب ياسين يرى في الأدب والمسرح وسيلة لإعادة توجيه الوعي الجماعي وإعادة بناء الهوية الجزائرية المستقلة عن إرث الاستعمار. ولم يتوانَ عن استخدام أعماله للنقد الاجتماعي والسياسي، ليكون بذلك أحد الرواد الذين جسدوا دور الأديب الملتزم بقضايا مجتمعه. فتجربته الأدبية تجاوزت الأطر التقليدية، حيث لم يكتفِ بتسليط الضوء على قضايا التحرر من الاستعمار فحسب، بل انتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية، مما جعله صوتًا نقديًا حاضرًا، موجهًا ومؤثرًا…
يظلّ كاتب ياسين رمزًا للنضال الأدبي في الجزائر ومدرسة قائمة بذاتها في الأدب والمسرح الجزائري، فإرثه الأدبي والفكري يعتبر حافزًا للمبدعين المعاصرين ودعوة لاستمرار العطاء الأدبي الذي يخدم قضايا المجتمع، ويرسّخ ثقافة الاستقلال والحرية. فكاتب ياسين لم يكن مجرد كاتب، بل كان ضميرًا حيًا وصوتًا للشعب، وما زالت أعماله تلهم الأجيال، وتذكرهم بأن الأدب يمكن أن يكون جسرًا للتغيير وصوتًا للحرية.
س.ب